رسالة الزهرة المفقودة

رسالة الزهرة المفقودة, اقرأ فى بريد الجمعة بعض القصص التى تدعونا إلى التمسك بالامل فى رحمة الله إلى ما لا نهاية, مهما تشتد الاحزان والآلام .. وكان من آخر ما قرأت من هذا النوع رسالة اللحظة السحرية ولقد دفعتنى هذه الرساله لان اروى لك قصة سيدة من قريباتى المقربات تكبرنى بعدة سنوات وتحمل شهادة جامعية وتتمتع بجمال آخاذ وبالرغم من جمالها فلقد تعثرت خطواتها على طريق السعاده طويلا.

إذ تزوجت وهى فى العشرين لبضع سنوات ثم طلقت لعدم الانجاب .. ثم تزوجت من شخص آخر لسنوات اخرى وطلقت منه لنفس السبب .. ونصحها الاطباء بألا تسعى للانجاب لان طريقه مسدوس امامها ولا امل لها فيه .. وانطوت السيدة الشابة على نفسها وراحت تجتر احزانها والامها الحسيره, فساقت اليها الاقدار مهندسا يكبرها بعشرين عاما كان متزوجا وفشل فى زواجه لعدم الانجاب ولعدم صبر زوجته السابقه عليه, الى ان يؤتى العلاج ثماره معه, فوجد كل منهما فى الاخر ضالته .. وتزوجا وكل منهما مقتنع فى اعماقه انه لا امل له فى الانجاب .. لكنه لا بأس من الاخذ ولو من باب شغل النفس عن افكارها وهواجسها بزيارات للاطباء وخضوع للفحوص واجراء للتحاليل.

ولان تخصص الزوج دقيق فقد اتيحت له فرص عديدة للسفر الى الخارج واصطحب زوجته دائما معه الى هذه الرحلات, وفى كل رحلة يعرضان نفسيهما على المراكز المتخصصه فى علاج العقم ويجريان الفحوص ويتلقيان الاعلاج بلا طائل .. ومضت عشر سنوات كاملة على حياتهما معا على هذه النحو وبعد ذلك لاح لهما ولاول مرة امل ضعيف فى الانجاب عن طريق الاخصاب الصناعى او الانابيب, وكانا فى ذلك الوقت يقيمان فى دولة اوروبية متقدمة فخاضا التجربة وفشلت .. وخاضاها مره ثانيه وفشلت ايضا .. وكررها للمره الثالثه فكتب لها النجاح وبدأت البشائر للحمل تظهر على السيدة وطار الزوجان فرحا .. وترقبا مولودهما السعيد بلهفه من ينتظره بشوق منذ عشرين عاما .. وخطرت لهما فكرة ان يكون مولد الطفل المرتقب فى الرحاب الطاهرة .. فسافرا من الدوله الاوروبية الى الاراضى المقدسة .. واديا العمرة … واقاما فى جوار الحرم الشريف ينتظران موعد الولادة الى ان جاء ووضعت الام مولودها وقرت به اعين الاب والام .. وقررا ان يرجعا للاستقرار فى مصر .. ويكفا عن التجوال والترحال ليوفرا لابنهما الحياة العائلية الهادئة, ورجعا بالفعل الى بلدهما واقام الرجل مشروعا خاصا الى جانب عمله فى تخصصه.


ومضت الايام رخيه هادئة الى ان اقترب عيد ميلاد الابن الوحيد الثامن وبدأ الابوان يستعدان للاحتفال به وفى عزمهما ان يكون الاحتفال هذا العام اكبر من كل مرة سابقة .. وقبل الموعد المنتظر بيومين خرج الطفل الصغير يلهو بدراجته فى الشوارع المحيطة بمسكنه فإذا بسيارة مسرعة تصدم الطفل .. وتقتل الفرحة فى حياة ابوية وتقضى على كل شئ جميل فى دنياهما.

وكان الابتلاء شديدا يا سيدى .. فاسودت جدران المسكن وانطفأت انواره وخيم الظلام والكآبه .. وتجمعنا نحن الاهل والاصحاب نواسى الزوجين ولا يجرؤ احدنا على الحديث عن العوض او الابدال المذكور فى القرآن .. إذ من اين يأتى العوض او الابدال , وقد كان انجاب هذا الطفل الفقيد ثمرة جهود استمرت عشرين سنة .. وكان مولده معجزة لا تتكرر .. لهذا فقد دار حديث المواساة كله حول الابرار الصغار وكيف يشفعون لابائهم وامهاتهم عند رب العرش العظيم .. وكيف يراغم الطفل البرئ الملائكة عند باب الجنة لايريد ان يدخلها الا وفى يده ابوه وامه .. ثم انسحب الجميع وتركوا الزوجين الحزينين لاحزانهما والامهما .. وبدأت الزوجه تشكو من الامراض والالام الجسدية .. واستشارت طبيبها فأخضعها لفحوص عديدة, ثم اعلنها بأنها حامل !!! وصرخت السيدة باكية وظنت ان طبيبها يحاول تخفيف مأساتها عنها بأن يعلقها بأمل مستحيل فى الانجاب لكى ترتفع معنوياتها وتخفف من احزانها وصارحته بذلك, وقالت له انه من المستحيل ان تحمل مره اخرى, لان حملها الاول كان معجزة وتم عن طريق الانابيب بعد عذاب طويل .. فأجابها الطبيب بهدوء إنه لا دخل له بما حدث فى الماضى .. ولا يسمح لنفسه بأن يعلق مريضا بأمل موهوم, حتى ولو كان ذلك بدافع التخفيف عنه, وانما هو امام فحوص عملية ونتائج موثوق بها تؤكد له ما يقول, وفى البداية وفى النهاية فان ارادة الله لا يتعصى عليها شئ.

انصرفت الزوجه ذاهلة .. وظلت على ذهولها بضعة اسابيع الى ان اكتمل الحمل وظهرت عليها اعراضه وبعد شهور اخرى جاء المولود الى الحياة مصدقا لقوله تعالى “فأردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة واقرب رحما” وكان من عجائب صنع الله ان يكون الفارق الزمنى بين رحيل الطفل الاول ومجئ الثانى هو 9 شهور و15 يوم على وجه التحديد.

وسرعان ما اضيئت انوار البيت المظلم من جديد .. وتجمعنا حول الزوجين مرة اخرى فشتان كان الفارق بين تجمعنا لديهما هذه المرة وبين تجمعنا السابق فى منزلهما قبل 9 شهور, ودار الحوار هذه المرة بلا حرج عن العوض والابدال ورحمة الله واكد لنا الابوان عزمهما على مواصلة مشروع دار الايتام الذى كانا قد بدأه عقب وفاة ولدهما الاول شكراً وحمدا .. ولكيلا لا ينسهما تعويض السماء لهما عما انتوياه وهما فى غمرة الاحزان.

وباركنا عزمهما .. وايدناهما فيه … ورجونا لهما السعادة والامان .. وانى لاكتب لك اسمى هذين الزوجين ورقم هاتفهما اذا اردت التأكد من وقائع هذه القصة الغريبة, كما اكتب لك اسمى ورقم تليفونى لنفس هذا الغرض .. هناك فصلا اخر من فصول هذه القصه قد يصعب تصديقه .. اما هذا الفصل الاخير فهو ان الله سبحانه وتعالى لم يكتف بتعويضهما وابدالهما خيرا عمن فقدا .. وانما اهدى اليهما طفلا اخر ..بعد 9 شهور من ميلاد الطفل الذى اعاد لهما الامل والحياة ايضا بلا عمليات جراحية ولا علاج .. سبحان الله من اذا اراد شيئا فيقول له كن فيكون.


ولكاتب هذه الرساله اقول

ومن ذا يساوره اى شك فى ذلك يا سيدى ؟؟

ان قدرة الله سبحانه وتعالى لم تكن يوما موضع اختبار .. ورحمته التى وسعت كل شئ لا تضيق بمن يظنون فى غمرة اليأس والقنوط ألا مخرج لهم مما يكابدون, غير اننا مأمورن بالصبر على ما نكره .. والتعلق بالامل دوما فى رحمة الله ان يحقق لنا ذات يوم ما نرجوه لا نفسنا ولو طال بنا الانتظار
ولقد لاحظ بعض المفسرين ان الله سبحانه وتعالى لم يأمر رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه بالاقتداء بأسلافه من الرسل فى خلق بذاته الا فى الصبر على ما لاقوا من شدائد وواجهوه من محن , وانه سبحانه وتعالى قد قرن امره لرسوله بالصبر فى اكثر من موضع بالقران بأمره له ان يسبح بحمد ربه كام فى الايه الكريمه “واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم” الطور 48 , وقيل فى تفسير ذلك ان التسبيح هنا يحمل معنيين جليلين, الاول هو تنزيه الله سبحانه وتعالى عن ان يفعل شيئاً عبثاً او ان يصدر عنه ما لايليق بكماله وكرمه وحكمته.

فإذا ابتلى بعض عباده بما يشق عليه احتماله فى حينه فلحكمه يعلمها هو وان خفيت على افهامهم , واما المعنى الاخر فهو ان الله سبحانه وتعالى فى كل شدة عطاء وفى كل بليه نعمه …فكأنما نبادر بالتسبيح والحمد فى ذروة الشده عسى ان يجعل الله لنا بالكشف عن عطائه المحجوب وراء هذه الابتلاء على غرار ما يقال عن الالطاف الالهيه التى يقول الواصلون انها ذلك التدبير الالهى الذى قد يأتينا احيانا بما نكره ليحقق لنا فيما بعد ما نحب , فيكون اختيار الله لنا حين يجئ افضل مما اخترناه نحن لانفسنا … واشمل فضلا وكرما

ولا عجب فى ذلك اذ الم تشهد حياة كثيرين منا مواقف معينه بكينا امامها واسفنا على ما فاتنا فيها , وضاقت صدورنا باحتمالها , ثم لم تلبث الايام ان اثبتت لنا انها لم تكن سوى مقدمه لخير عميم اراده الله لنا .. وقصرت امالنا حتى عن التطلع اليه ؟

او لم تراودنا فى بعض مراحل العمر امل رغبنا فيها بشده فى ان نحققها لانفسنا , وشعرنا بالحسره لعجزنا عن بلوغها , ثم مضت بنا رحلة الحياه فإذا بنا نسلم لانفسنا باننا لو كنا قد بلغنا تلك الامال فى حينها , لحالت بيننا وبين ما ارادته لنا السماء فيما بعد من خير اعم وابقى ؟

لهذا المعنى .. قال ابن الله السكندرى فى حكمته الشهيره: لا تطالب ربك بتأخر مطلبك ..ولكن طالب نفسك بتأخر ادبك . يقصد لا تحاسب ربك عن تأخر تحقيق مطلبك منه .. وانما حاسب نفسك انت عن تأخر ادبك فى الطلب منه … اى تأخرك فى الاعتماد عليه فيما تريده لنفسك وتأخرك فى النهوض الى الطاعات لكى يحقق لك امالك وقلة صبرك على ما تريده منه .. وتعجلك له .. فعطاؤه سوف يجئ حين يجئ الاوان .. افضل العابده انتظار الفرج.


وفى هذه القصه جاء عطاء الانجاب بعد 20 عام من السعى وزيجتين فاشلتين للزوجه واخرى مماثله للزوج فتأمل حكمة ربك فى الا يطيل عليهما الانتظار هذه المره خين فقدا زهرنهما الوحيده ويئس الجميع فى كل امل فى التعويض , فلا تمضى اسابيع على محنتهما حتى يقول لهما ربهما “انهم يرونه بعيداً ونراه قريباً “المعارج 6 و7 فتحمل الزوجه المذهوله ويرزقهما ربهما بطفل اخر بغير علاج ولا جراحات ولا انابيب ولا انتظار لسنوات مريره .. لانه قد رأى برحمته ان يعجل لهما العزاء والتعويض والابدال.

واذ لا تبلغ بهما اقصى امالهما من ربهما ودعاؤهما اليه بعد ذلك اكثر من ان يحفظ عليمها طفلهما الذى انعم به عليهما هذا … يقول لهما ربهما مره اخرى ” فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ” الحجر 97 لان عطائى بلا حدود .. وكرمى فوق ما يجنح اليه اقصى الخيال , ويهبهما طفلا ثانيا على غير توقع او انتظار ولا عجب ايضا فى ذلك , وهو القائل جل شأنه ” وان يردك بخير فلا راد لفضله ” يونس 107.

فماذا يدعونا اذن الى التشكك فى وقائع هذه القصه يا سيدى , كل ذلك عليه هين سبحانه وتعالى .. اننى اصدق كل ما رويت لنا فيها دون حاجه الى الاتصال بطرفيها .. واشكرك على اطلاعنا عليها ورغبتك الكريمه فى ان يستفيد بها الاخرون والسلام.

رسالة من كتاب الزهرة المفقودة.

Comments are closed.